ومن ذلك أيضًا ما وقَّع به يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقد أُخبر يزيد أنه يتلكأ في مبايعته بالخلافة:» أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيهما شئت « ( [٦٨] ) .
٤- وقد يكون التوقيع حكمة، من ذلك ما وقع به السفاح الخليفة العباسي الأول في رقعة قوم شكوا احتباس أرزاقهم:» من صبر في الشدة شارك في النعمة « ( [٦٩] ) .
وكتب إبراهيم بن المهدي إلى الخليفة المأمون يعتذر إليه مما بدر منه من خروجه عليه، ومطالبته بالخلافة، فوقع المأمون في كتابه:» القدرةُ تُذْهِبُ الحفيظة، والندم جزء من التوبة، وبينهما عفو الله « ( [٧٠] ) .
٥- وقد يكون التوقيع غير ذلك، رفعت إلى يحيى بن خالد البرمكي رسالة ركيكة العبارة، كتبت بخط جميل فوقع:» الخط جسمٌ روحه البلاغة، ولا خير في جسمٍ لا روحَ فيه « ( [٧١] ) .
ووقع ابنه جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لبعض عماله:» قد كَثُرَ شاكوكَ، وقل شاكروك، فإما عَدَلْت، وإما اعتزلت « ( [٧٢] ) .
متى وجدت التوقيعات في الأدب العربي؟:
التوقيعات فن أدبي نشأ في حضن الكتابة، وارتبط بها، ولذلك لم يعرف عربُ الجاهلية التوقيعات الأدبية ولم تكن من فنون أدبهم؛ لسبب يسير وهو أن الكتابة لم تكن شائعة بينهم، بل كان الذين يعرفون الكتابة في هذا العصر قلة نادرة، لذلك فإن الأدب الجاهلي يتضمن الفنون الأدبية القائمة على المشافهة والارتجال، كالشعر، والخطابة، والوصية، والمنافرة، وغيرها من الفنون القولية القائمة على ذلاقة اللسان، والبراعة في الإبانة والإفصاح، وإصابة وجه الحق ومفصل الصواب كالحكم والأمثال.
كذلك لم تُعْرَف التوقيعات في عهد الرسول -- صلى الله عليه وسلم --؛ لأن الكتابة أيضًا لم تكن شائعة، وقد جاء الإسلام وليس يكتب بالعربية غير سبعة عشر شخصًا ( [٧٣] ) .