وكان “ المنهج النفسي ” هو المنهج الذي استوقف هذه الورقة حتى تكون الرؤية أكثر علميّة، وإنصافاً، فوقفت على نشأة علم النفس وأوضحت تحوّلاته، ومدارسه المتعدّدة، التي كانت ثمرة من ثمار تحوّلات الحمولات الفكرية والاجتماعية في الغرب، وهي تحولات زعم كثير من النقاد العرب، أنها لا تؤثر في المناهج النقدية، فهم يتعاملون مع هذه المناهج التقديّة بوصفها أداة إبستمولوجيه، لا بوصفها مذهباً فلسفياً، وكأنه يمكن نزع المنهج من سياقه الثقافي، والتعامل مع مفاهيمه وأدواته الإجرائية بمعزلٍ عن خصوصيّة السياق وحمولات الفكر والتاريخ.
وقد أثبتت هذه الورقة أن مقولة فصل الأداة الإبستمولوجية عن سياقها الفكري والتاريخي مقولة خاطئة، فكثير من حمولات ذلك السياق كانت حاضرة في الممارسة الإجرائية، وما كان للمفاهيم أن تتجه تلك الوجهة لولا أن السياق الثقافي كان الموجه الرئيس لها.
ماهيّة الثقافة:
الثقافة في الفكر العربي ( [١] ) تعني التقويم والتهذيب، من ثقفت الرمح إذا هذّبته وقوّمته، ويراد بها الحذق والفطنة، وترد بمعنى التمكن والغلبة كما في قوله تعالى: س إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ش ( [٢] ) .
أمّا في الفكر الغربي فدلالتها مرتبطة بزراعة الأرض، ثم استخدمت
مجازاً في تعريف الفلسفة حيث عرفها شيشرون بأنها زراعة العقل (Mentis Culture) وفي عصر النهضة أصبحت الكلمة تطلق على الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع ( [٣] ) .