للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرّف الفيزيائيون المادة بأنها: ((ما شغلت حيزاً من الفراغ، وهي صلبة وبسيطة وواضحة للعيان)) ( [٦٣] ) وأن حركتها محكومة بنظام آلي لا يختل، فتركيب المادة، وترتيب أجزائها المكونة لها هما مصدر فهم الحركة وتفسيرها

((فما نحس به، وما يفوح عن الزهر من العطر، أو ينبثق عن الشمس الغاربة من اللون، أو ما نشعر به من المخاوف والآمال.. جميع هذه الظواهر مردها تبعاً للمذهب المادي إلى حركات أجزاء صغيرة من المادة، تنطلق في الفضاء طبقاً لقوانين حتمية حاسمة، هذه الأجزاء الصغيرة هي التي يتولد عنها علمنا بها، فليس العقل بعبارة أخرى إلا شعور هذه الأجزاء الصغيرة بذاتها)) ( [٦٤] ) وبهذا يصادر المنهج المادي في فيزياء القرن التاسع عشر قيمة الإنسان الذي كرمه الله بالقوة العاقلة يقول جود: ((لكن هذا الانتصار التجريبي للمادية، كان يعاني من نقص كبير، لقد سلب الإنسان أهميته في النظام الكوني للأشياء، وأنكر عليه حقيقة عقله، ليس في تصميم الكون ما يدعو إلى إعلاء الإنسان)) ( [٦٥] ) .

فنتج عن هذا القصور المادي للكون المحكوم بميكانزم آلي لا يختل ((أن الأشياء الحقيقية إنما هي الأشياء المادية وحدها)) ( [٦٦] ) لأنها هي التي يمكن أن تدركها الحاسة، وما سوى ذلك فهو الوهم، لأنه ((ما من شيء يمكن أن يكون حقيقياً إلا وهو قابل من الناحية النظرية؛ لأن يدرك بالحواس، ومن هنا فإن البحث في طبيعة الأشياء المحسوسة وتحليلها إلى عناصرها وذراتها؛ إنما هو معالجة للحقيقة بصورة مباشرة، أما تصور القيم الأخلاقية، وتأمل الخبرات الدينية والاستمتاع بها مثلاً، فليس إلا خبط عشواء وجرياً وراء السراب)) ( [٦٧] ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>