لقد ألغت السلوكية قيمة العقل في السلوك، فهي وإن آمنت بوجوده، فإنها لا ترى له سلطة على سلوك الكائن الحي، وهذا ما ذهب إليه أصحاب نظرية الموازاة، فالإنسان ((ما هو إلا جسم، أما الشعور فلا يعدو أن يكون حصيلة ثانوية لعمليات جسمية، يصاحبها أحياناً، وإن كان ذلك يحدث بصورة عرضية)) ( [٨٤] ) ، وهذا ما ذهب إليه “ ماركس ” حين جعل مشاعر الإنسان تالية لوجوده. يقول:((في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محددة لا غنى عنها، وهي مستقلة عن إرادتهم، وعلاقات الإنتاج تطابق مرحلة محدودة من تطور قواهم المادية في الإنتاج، والمجموع الكلي لهذه العلاقات يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، وهو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه النظم القانونية والسياسية والتي تطابقها أشكال محدودة من الوعي الاجتماعي. فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يعين الصفة العامة للعمليات الاجتماعية والسياسية والمعنوية في الحياة. ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم، بل إن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم)) ( [٨٥] ) .
لقد جاءت السلوكية لتسد ثغرة في الميكانزم المادي لحركة الكون، فكان الميكانزم العصبي كما تصوره السلوكية بحثاً عن قانون ذلك الميكانزم في جانب النفس الإنسانية يقول هاري ويلز:((لقد ظلت المادية تعاني ضعفاً ما منذ أن كانت تفتقد هذه الحلقة أي منذ كان الميكانزم العصبي مجهولاً، واستغل المثاليون هذا الضعف واستفاد منه الرجعيون لنشر الجهل وتشويش الفكر وخلق أساطير عن الطبيعة البشرية)) ( [٨٦] ) .