وأصبحت الناقة عند الشورى ومصطفى ناصف رمزاً للأمومة ( [١٩٥] ) ، وغدا الحمار والثور في شعر الجاهليين عند علي البطل، ونصرت عبد الرحمن إلهين يُعبدان من دون الله، ولذلك فهما لا يُقتلان ( [١٩٦] ) ، وإذا ما قتلا - في غير شعر الرثاء - قال أحدهما إن الشاعر أخطأ في التصور، وأن أول شاعر قتل عنده الثور هو أبو ذؤيب الهذلي في عينيته الشهيرة، التي قالها بعدما أسلم إذ لا حرج أن يموت الإله القديم ( [١٩٧] ) .
على أن هذا ليس صحيحاً فهناك شعراء جاهليون قتل عندهم الحمار والثور في غير شعر الرثاء كامرئ القيس، وزهير، وعلقمة وغيرهم ( [١٩٨] ) .
إن هذا المنهج يجعل من الحيوانات كائنات مقدّسة، وأساطير لآلهة قديمة لم يزل صداها حياً في نفس الإنسان الحديث، ويبدو النص الشعري عالماً من الطقوس، وقطعاً من التفكير اللاهوتي المظلم. لقد ذهب “ مالكولم كادلي ” إلى تشبيه دعاة هذا المنهج بمن اكتشف فجأة نصف كرة أرضية جديدة ( [١٩٩] ) .
وهذا المنهج قد يجد في الأدب ما يحقق له مبتغاه، لكنه يقع فيما وقع فيه أتباع فرويد ومريدوه من أصحاب منهج التحليل النفسي. فلا يكشف لنا عن أدبية النص، ولا يقدم تقديراً للقيمة الجمالية فيه.
الخاتمة:
“ المثاقفة ” كما هي بحث عن الحكمة، فهي خيار لا محيد عنه، لكل أمة تولي شهودها الثقافي أهميّة كبيرة، وتطمح لحمل شعلة الحضارة، والإضافة المبدعة للبشرية، وتحقيق أمانة الاستخلاف.
والمثاقفة كما هي طموح، فهي منهج راشد، لأن المثاقفة وفق المنهج الراشد، توسيع للمدراك، وإنارة للذاكرة الجمعية، بمقتضى هذا الرشد يتحقق ترسيخ الهوية، واستيعاب منجزات العصر، والمشاركة الفاعلة في أحداثه.
والأمة العربية المسلمة أمة مثاقفة، فهي أشد الأمم حرصاً على المعرفة لأنها أمة “ اقرأ ”، وأقوم منهجاً لأنها أمة القرآن.