ويحسن بنا أن نختم هذه الرسالة القيمة بأثر جاء بسند صحيح وعلى لسان عليّ رضي الله عنه نفسه، وفيه ذكر فضائل الشيخين ومنزلتهما في الإسلام، فالمسألة قد حكم فيها صاحب الشأن، وفيه أن مسألة التفضيل لها جذور تاريخية قديمة، وأنها ليست مجرد تفضيل بل تستخدم من بعض أهل الأهواء للطعن في كبار الصحابة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما.
فعن سويد بن غَفلة ( [١٤٦] ) قال: مررت بنفر من الشيعة وهم يتناولون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وينتقصونهما، قال: فدخلت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقلت له: يا أمير المؤمنين إني مررت آنفا بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا ما اجتروا على ذلك، فقال علي: أعوذ بالله أن أُضمِر لهما إلا الحسن الجميل، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه ووزيراه - رحمة الله عليهما - ثم نهض دامعا عيناه يبكي قابضا على يديّ حتى دخل المسجد، وصعد المنبر فجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها - وهي بيضاء - حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه وعما يقولون بريء وعلى ما يقولون معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر رديء؛ صحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوفاء والصدق، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان، ولا يجاوزان رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى مثل رأيهما رأيا، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله -