للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنالك ارتباط وثيق بين الحلم والعقل، وقد سبق تفسير الحلم بالعقل؛ لأن العقل السوي هو الذي يعقل صاحبه عن الاندفاع وراء عواطفه وغرائزه، أو وراء انفعاله وشهواته، أو وراء طبائعه النارية، أو وراء كل ما يميل به إلى الجنوح والانحراف، وإن الإنسان الذي يتحكم في انفعالاته يعد إنساناً قوياً. يقول رسول الله (: ((ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (١) .

ومما يدل على فضل الحلم وبيان أهميته: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)) (٢) .

ومن حلمه (ما جاء في حديث أبي هريرة (قال: بال أعرابي في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي (: ((دعوه، واهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) (٣) .

فقد علّم الرسول (في هذا الحديث أصحابه كيف يكون الحلم بالجاهلين، وكيف يكون الرفق بهم، وكيف يجب أن يكون الدعاة إلى الله والحق والخير والفضيلة وأنهم ميسرين لا معسرين.

وفي رواية أخرى عن أنس (قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله (إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله (: مه مه!! حتى بال، ثم إن رسول الله (دعاه فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)) ، قال أنس: ((وأمر (أي رسول الله () رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فسنّه عليه)) (٤) . (أي فصبه على المكان الذي بال فيه الأعرابي) .


(١) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب (٤/٢٠١٤) .
(٢) تقدم تخريجه ص (٨١) .
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء (١/٦١) .
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الطهارة (١/٢٣٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>