للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على حلم الرسول (وعلى رفقه وحسن سياسته وهذا الخلق العظيم هو الذي ملك به قلوب أصحابه وفرض به احترامه على أعدائه.

ومن حلمه (عدم دعائه على الذين آذوه من قومه، وكان باستطاعته أن يدعو عليهم فيهلكهم الله، ولكنه (حلم عليهم رجاء صلاحهم، وصلاح من يخرج من ذريتهم.

فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن النبي (قال لملك الجبال لما جاءه عارضاً عليه أن يطبق على قومه الجبلين المحيطين بمكة فقال النبي (: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) (١) .

وهكذا كان الرسول (حليماً في أحلك الأوقات وأقسى الحالات شدة.

فالحلم أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد؛ وقد قال علي بن أبي طالب (: أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره (٢) .

يقول صاحب بهجة الناظرين: الحلم منزلة بين رذيلتين الغضب والبلادة، وهو تأني وسكون عند الغضب أو مكروه مع قدرة وقوة وصفح وعقل؛ فالحليم لا يستفزه الذين لا يعلمون ولا يستخفه الذين لا يعقلون وإنما يضبط نفسه عند هيجان الغضب. وهو يبدأ بكظم الغيظ ثم النظر في عواقب الأمور وبوضع الشيء في موضعه مما يدل على صحة العقل وكماله وعلم صاحبه وإرادته القوية التي تبصره في اتخاذ رد الفعل السليم باتباع أيسر الأمور وأرشدها، وقد ينتهى الأمر بالعفو والإحسان (٣) ، ولذلك يقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (] آل عمران ١٣٤ [. (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقها إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو حظ عظيم (] فصلت ٣٤، ٣٥ [.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق (٤/٨٣) ، ومسلم في صحيحه: كتاب الجهاد (٣/١٤٢١) .
(٢) أدب الدنيا والدين للماوردي ص (٢٤٥) .
(٣) بهجة الناظرين ص (٦٧٨٦٧٩) ، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>