للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عليه الصلاة والسلام: ((بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبراده؛ إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة)) (١) .

مما تقدم تبين لنا أن التواضع خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وقد كان سمة بارزة للرسول (، ولهذا فينبغي للمسلم أن يتواضع في غير مذلة ولا مهانةٍ، بحيث يكون التواضع من أخلاقه المثالية، وصفاته العالية؛ إذ المسلم يتواضع ليرتفع.

وبالتواضع يرفع الإنسان، وبالكبر يخفض، إذ سنة الله جارية في رفع المتواضعين له، ووضع المتكبرين، والمسلم عندما يصغي بأذنه وقلبه إلى مثل هذه الأخبار الصادقة، من كلام الله وكلام رسوله في الثناء على المتواضعين مرة، وفي ذم المتكبرين أخرى، يحرص على ألا يكون من المتكبرين أسوة في ذلك برسول الله (، إذ لابد أن يتواضع الإنسان لعظمة الله وكبريائه، وسيظهر هذا التواضع في كلمته التي ينطق بها، وفي حركته التي يدب بها فوق ظهر الأرض، كما وصف الحق تبارك وتعالى عباده فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً (] الفرقان ٦٣ [.

وعن تواضع رسول الله (جاءت الأخبار الصحيحة والآثار الشهيرة، حيث تواترت الأخبار عمن اجتمع معه من أصحابه عليه الصلاة والسلام أنه كان يبدأهم بالسلام، وينصرف بكليته إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، وكان آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا أقبل جلس حيث ينتهي بأصحابه المجلس، وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول: أنا أولى بحملها، وشارك في بناء مسجده (، وفي حفر الخندق، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله، ويأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، ويجلس على الأرض، وكان متواضعاً في ملبسه ومسكنه (٢) .


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء (٤/١٥٣) ، ومسلم في صحيحه كتاب اللباس والزينة (٣/١٦٥٣) .
(٢) انظر مدارج السالكين (٢/٣٢٨، ٣٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>