للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ أننا نرى بعض الحيوانات تعلم وتدرب على بعض الأمور فتتعلمها ومن ذلك أن الفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد فتتعلم وهي من قبل على خلاف ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للكلب المعلم، يُعلم ترك الأكل فيتعلم وهو على خلاف ذلك من قبلُ، والحمار الوحشي يستأنس بعد توحشه. فهذا دليل على أنه يمكن تغيير الصفات الجبلية أو بعضها، وإذا كان الحيوان يستطيع أن يتعلم فابن آدم أولى بذلك وأقدر، وهذا لا يحصل إلا بعد كثرة المراس والتعلم والاستفادة.

يقول الغزالي: "كيف ننكر هذا يشير إلى تغير الخلق في حق الآدمي، وتغير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغير للأخلاق" (١)

ويقول ابن قدامة (٢) رحمه الله تعالى:

وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه.

وقد قال تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم (] الفتح ٢٩ [، ولا تصدر الشدة إلا من الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقد قال تعالى: (والكاظمين الغيظ (] آل عمران ١٣٤ [ولم يقل الفاقدين الغيظ.


(١) إحياء علوم الدين (٣/٤٨) .
(٢) هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، أبو العباس، الفقيه المحدث، توفي سنة ٦٨٩هـ.ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (٤/٣٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>