للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد: فقد ذكر الله " مرض القلوب وشفاءها " في مواضع من كتابه وجاء ذلك في سنة رسوله (كقوله تعالى عن المنافقين: (فِي قُلُوِبِهم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ((١) ، وقوله تعالى: (وَيَشفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِين *ويُذْهِبَ غَيْظَ قُلُوبِهِم ((٢) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وما ذكر الله من مرض القلوب وشفائها بمنزلة ما ذكر من موتها وحياتها وسمعها وبصرها وعقلها وصممها وبكمها وعماها، لكن المقصود معرفة مرض القلوب ... إلى أن قال: فلذلك كان مرض القلب وشفاؤه أعظم من مرض الجسم وشفائه، فتارة يكون من جملة الشبهات، كما قال تعالى: (فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ((٣) ... ففي قلوب المنافقين: المرض من هذا الوجه، ومن هذا الوجه: من جهة فساد الاعتقادات، وفساد الإرادات) (٤) .

ولما كان مرض القلب بهذه الخطورة أحببت أن أجمع كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم للأسباب التالية:

١ - أنه قد انتشر في هذا الوقت من أمراض القلوب الكثير بين الناس كالحسد، والبخل، والظلم، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات وغيرها.

ولكن لفساد القلب قد لا يحُس بالألم، قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر بعض هذه الأمراض: " ... ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم ... " (٥) .

٢ - لما للشيخين من مكانة في العلم ورسوخ قدمهما فيه وتأصيل عبارتهما واعتمادهما في التأليف على الأدلة من الكتاب والسنة، مع السعة والشمول، والجاذبية في الأسلوب والبيان، مع حسن الترتيب والسياق. فكان حرياً بنا أن نتتبع نصحهما وتوجيههما.


(١) ... سورة البقرة، الآية: ١٠.
(٢) ... سورة التوبة، الآيتان: ١٤، ١٥.
(٣) ... سورة الأحزاب، الآية: ٣٢.
(٤) ... مجموع الفتاوى (١٠/١٣٩-١٤١) .
(٥) ... انظر: إغاثة اللهفان (١/١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>