للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم رحمه اللَّه في تعريف القلب الميت: (هو الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه، رضي ربه أم سخط، فهو متعبد لغير اللَّه: حباً، وخوفاً، ورجاء، ورضا وسخطاً، وتعظيماً، وذلاً. إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه. فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور. ينادَى إلى اللَّه وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، ولا يتسجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد. الدنيا تسخطه وترضيه. والهوى يُصِمّه عما سوى الباطل ويعميه ... فمخالطة صاحب هذا القلب سَقَم. ومعاشرته سُمّ، ومجالسته هلاك) (١) .

وقد جمع اللَّه سبحانه بين هذه القلوب الثلاثة، قلب المؤمن السليم، والقلب المريض، والقلب القاسي في قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وإنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وإنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ((٢) .

قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه لما ذكر هذه الآية: (جعل اللَّه القلوب ثلاثة أقسام: قاسية، وذات مرض، ومؤمنة مخبتة، وذلك لأنها إما أن تكون يابسة جامدة لا تلين للحق اعترافاً، وإذعاناً، أو لا تكون يابسة جامدة.


(١) انظر: إغاثة اللهفان (١/٩) .
(٢) ... سورة الحج، الآيتان: ٥٣، ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>