ف " الأول " هو القاسي وهو الجامد اليابس بمنزلة الحجر لا ينطبع، ولا يكتب فيه الإيمان، ولا يرتسم فيه العلم؛ لأن ذلك يستدعي محلا لينا قابلاً.
و" الثاني " لا يخلو إما أن يكون الحق ثابتاً فيه لا يزول عنه لقوته مع لينه، أو يكون لينه مع ضعف وانحلال. فالثاني هو الذي فيه مرض، والأول هو القوي اللين.
وذلك أن القلب بمنزلة أعضاء الجسد كاليد مثلاً، فإما أن تكون جامدة يابسة لا تلتوي ولا تبطش، أو تبطش بعنف، فذلك مثل القلب القاسي، أو تكون ضعيفة مريضة عاجزة لضعفها ومرضها، فذلك مثل الذي فيه مرض، أو تكن باطشة بقوة ولين فهو مثل القلب العليم الرحيم، فبالرحمة خرج عن القسوة، وبالعلم خرج عن المرض، فإن المرض من الشكوك والشبهات، ولهذا وصف من عدا هؤلاء بالعلم والإيمان والإخبات ... ) (١) .
وقال ابن القيم رحمه اللَّه لما ذكر هذه الآيات: (فجعل اللَّه سبحانه وتعالى القلوب في هذه الآيات ثلاثة: قلبين مفتونين، وقلباً ناجياً. فالمفتونان: القلب الذي فيه مرض، والقلب القاسي. والناجي: القلب المؤمن المخبت إلى ربه. وهو المطمئن إليه الخاضع له، المستسلم المنقاد.
وذلك: أن القلب وغيره من الأعضاء يراد منه أن يكون صحيحاً سليماً لا آفة به، يتأتى منه ما هُيىء له وخلق لأجله، وخروجه عن الاستقامة إما ليبسه وقساوته، وعدم التأتي لما يراد منه، كاليد الشلاء، واللسان الأخرس، والأنف الأخشم، وذكر العِنِّين، والعين التي لا تبصر شيئاً، وإما بمرض وآفة فيه تمنعه من كمال هذه الأفعال ووقوعها على السداد، فلذلك انقسمت القلوب إلى هذه الأقسام الثلاثة.
فالقلب الصحيح السليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول له.