للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: والرسل صلى اللَّه عليهم وسلم بُعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها لا لتغيير الفطرة وتحويلها، وإذا كان القلب محباً لله وحده مخلصاً له الدين لم يُبْتَل بحب غيره [أصلاً] ، فضلاً أن يُبتلى بالعشق وحيث ابتلي بالعشق فلنقص محبته لله وحده. ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين لم يُبتل بذلك، بل قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ((١) . وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق، وما يبتلي بالعشق أحد إلاَّ لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب إلى اللَّه الخائف منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق:

(أحدهما) : إنابته إلى اللَّه، ومحبته له، فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء، فلا تبقى مع اللَّه محبة مخلوق تزاحمه.

و (الثاني) : خوفه من اللَّه، فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه، وكل من أحب شيئاً بعشق أو غير عشق فإنه يُصرف عن محبته بمحبة ما هو أحب إليه منه، إذا كان يزاحمه، وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحب، فإذا كان اللَّه أحب إلى العبد من كل شيء، وأخوف عنده من كل شيء، لم يحصل معه عشق ولا مزاحمة إلاَّ عند غفلة أو عند ضعف هذا الحب والخوف، بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكلما فعل العبد الطاعة محبة للَّه وخوفاً منه وترك المعصية حباً له وخوفاً منه قوي حبه له وخوفه منه، فيزيل ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره) (٢) .


(١) سورة يوسف، الآية ٢٤.
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/١٣٥-١٣٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>