للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦) (ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب، فيجد المذنب نفسه مستوحشاً، وقد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق، وبينه وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين، فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما تولده فيه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه، إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف ... ) (١) .

(٧) (ومن عقوباتها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وأداؤها ولا دواء إلاَّ تركها، وقد أجمع السائرون إلى اللَّه على أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها، فيصير نفس دوائها، ولا يصح لها ذلك إلاَّ بمخالفة هواها، وهواها مرضها، وشفاؤها مخالفته، فإن استحكم المرض قتل أوكاد) (٢) .

(٨) (ومن عقوباتها: أن العاصي دائماً في أسر شيطانه وسجن شهواته، وقيود هواه ... إلى أن قال: فكيف يسير إلى اللَّه والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد؟ وكيف يخطو خطوة واحدة؟ وإذا تقيد القلب طرقته الآفات من كل جانب بحسب قيوده، ومثل القلب مثل الطائر، كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات ... إلى أن قال رحمه اللَّه:


(١) الجواب الكافي ص١٢٧.
(٢) الجواب الكافي ص١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>