للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل هذا كله: أن القلب كلما كان أبعد من اللَّه كانت الآفات إليه أسرع، وكلما كان أقرب من اللَّه بعدت عنه الآفات، والبعد من اللَّه مراتب، بعضها أشد من بعض، فالغفلة تبعد العبد عن اللَّه، وبعد المعصية أعظم من بعد الغفلة، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية، وبعد النفاق، والشرك أعظم من ذلك كله) (١) .

(٩) ومن عقوبات الذنوب والمعاصي على القلب أنه قد يخونه قلبه ولسانه إذا وقع في شدة أو كربة أو عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى.

قال ابن القيم رحمه اللَّه: (والمقصود: أن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على اللَّه تعالى والإنابة إليه، والحمية عليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فلا ينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر فيه الذكر، ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور بل إن ذكر أو دعا بقلب غافل لاه ساه، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه، وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي ...

هذا، وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين من أصابهم ذلك، ... ثم ذكر رحمه اللَّه قصصاً كثيرة في المحتضرين بعضهم يهذي بالغناء وبعضهم بالكفر وبعضهم بالمال إلى أن قال رحمه اللَّه: فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل اللَّه سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه، وكان أمره فرطاً؟ فبعيد من قلبه بعيد من اللَّه تعالى غافل عنه متعبد لهواه مذلل لشهواته، ولسانه يابس من ذكره وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصية ربه - بعيد عن هذا أن يوفق لحسن الخاتمة) (٢) .


(١) انظر: الجواب الكافي ص١٣١.
(٢) انظر: الجواب الكافي ص١٤٤-١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>