(١٠) ومن عقوبات المعاصي على القلب أنها تعميه فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه ...
قال ابن القيم رحمه اللَّه:(فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته، فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره. فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى اللَّه والدار الآخرة إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة، التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وغفلت عن اللَّه وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلاَّ هذه وحدها لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها، واللَّه المستعان.
وهذا كما أن الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله، وتقويه وتثبته، حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد. أفيستوي هذا القلب وقلب مظلمة أرجاؤه، مختلفة أهواؤه، قد اتخذه الشيطان وطنه، وأعده مسكنه، إذا تصبح بطلعته حياه، وقال: فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا في أخراه) (١) .
(١١) وقال ابن القيم رحمه اللَّه في موضع آخر: (والمقصود: أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم. ومنها: الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه، فيخسف به إلى أسفل سافلين، وصاحبه لا يشعر ... ثم ذكر رحمه اللَّه علامة الخسف به ...