أمناقشة دليلهم الأول، حديث جابر بن عبد الله (حديث سُليك) .
يناقش هذا الدليل: بأن من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر يخطب ينبغي له أن يجلس ولا يركع.
وذلك: أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سُلَيكاً بما أمره به من ذلك، فقطع بذلك خطبته إرادة منه أن يُعلِّم الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف الخطبة.
ويجوز أيضاً أن يكون بنى على خطبته، وكان ذلك قبل أن يُنسخ الكلام في الصلاة، ثم نُسخ في الكلام في الصلاة، فنُسخ أيضاً في الخطبة.
وقد يجوز أن يكون ما أمره به من ذلك، كما قال أهل القول الأول، ويكون سنة معمولاً بها. (١٧٣)
وبالنظر هل روي شيء يخالف حديث سُليك ذلك؟ فإذا بنا نجد أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك:
ففي حديث عبد الله بن بُسر كما رأيت قال النبي صلى الله عليه وسلم " اجلس فقد آذيت وآنيت ". (١٧٤) ولم يأمره بأن يصلي ركعتين. فهذا يخالف حديث سُليك. (١٧٥)
وفي حديث أبي سعيد الذي في القول الأول ما يدل على أن ذلك كان في حال إباحة الأفعال في الخطبة قبل أن يُنْهى عنها، ألا تراه يقول:" فألقى الناس ثيابهم ". (١٧٦)
وقد أجمع المسلمون أن نزع الرجل ثوبه والإمام يخطب مكروه، وأن مسه الحصا والإمام يخطب مكروه، وأن قوله لصاحبه ((أنصت)) والإمام يخطب مكروه أيضاً. (١٧٧)
فذلك دليل على أن ما كان أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سُلَيكاً، والرجل الذي أمره بالصدقة عليه، كان في حال الحكم فيها في ذلك، بخلاف الحكم فيما بعد. (١٧٨)