الوجه الثالث: أنه لو دخل والإمام في الصلاة لم يركع، والخطبة صلاة؛ إذْ يَحْرُم فيها من الكلام والعمل ما يَحْرُم في الصلاة. (١٦٧)
ويجاب عن هذه الأوجه بالآتي:
أما الوجه الأول: فنحن نقول به لمن كان جالساً في المسجد بخلاف الداخل فيصلي ركعتين خفيفتين.
وأما الوجه الثاني: فكذلك نحن نقول به ونوافقكم عليه؛ لأن الكلام يؤدي إلى الفوضى في المسجد، ويشوّش على الحضور، بخلاف الركعتين.
... وأما الوجه الثالث: فكذلك أيضاً نحن نوافق على ذلك بأنه إذا كان الإمام في الصلاة لا يركع، وهذا بخلاف الخطبة فيصلي الداخل ركعتين خفيفتين.
على أن تلك الأصول الثلاثة التي ذكرها ابن العربي تناقش: بأنه يعترض عليها بحديث سُليك الغطفاني.
ويجاب عن هذا: بأن حديث سليك لا يعترض به على هذه الأصول من أربعة أوجه.
الأول: لأنه خبر واحد يعارضه أخبار أقوى منه، وأصول من القرآن، والشريعة، فوجب تركه. (١٦٨)
والثاني: أنه يحتمل أن يكون في وقت كان الكلام مباحاً فيه في الصلاة؛ لأنه لا يُعلم تأريخه، فكان مباحاً في الخطبة، فلما حُرّم في الخطبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو أجدُّ فرضية من الاستماع، فأقلُّ أن يُحْرَم ما ليس بفرض (١٦٩) ، وهو النفل.
والثالث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم سُليكاً"، وقال له: " صلّ، كما عرفت (١٧٠) ، فلما كلمه وأمره سقط عنه فرض الاستماع؛ إذ لم يكن هنالك قول ذلك ذلك الوقت منه صلى الله عليه وسلم إلا مخاطبته له وسؤاله وأمره، وهذا أقوى الباب. (١٧١)
والرابع: أن سليكاً كان ذا بَذَاذَةٍ وفقر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُشَهِّره؛ لِتُرى حاله، فيُغيّر منه. (١٧٢)
ويجاب عن هذا: بأنه لا حاجة إلى التأويلات، وما لا داعي له؛ لنصرة المذهب أو الرأي، وترك السنة الصحيحة الصريحة التي أولى أن تُتَّبع، ويؤخذ بها.
المقصد الثاني: مناقشة استدلال القول الأول بالسنة.