للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ههنا نشأ الوهم عند من أطلق جواز الترخّص بمسائل الخلاف، مستدلاً بعموم أقوال الأئمة، فأصابهم في ألفاظ العموم، ما أصاب غيرهم في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، فسمعوا أن الاختلاف رحمة، فاعتقدوا أن هذا شامل لكل خلاف، ولم يتدبروا أن الخلاف له ضوابط وشروط، وإلا كان محرّماً مذموماً.

أما كون اختلاف أصحاب النبي (رحمة، فلأنهم كانوا على الحنيفية السمحة، ففتحوا باب الاجتهاد للناس، فتنازعوا وهم مؤتلفون متحابون، يُقرُّ كل واحد منهم الآخر على اجتهاده ومن لطيف توجيهات ابن تيمية في كون الخلاف رحمة قوله ما ملخصه: إن النزاع قد يكون رحمة لبعض الناس، لما فيه من خفاء الحكم، فقد يكون في ظهوره تشديداً عليه، ويكون من باب قوله تعالى (: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( [المائدة: ١٠١] لهذا صنّف رجل كتاباً سماه: ((كتاب الاختلاف)) فقال أحمد: سمه ((كتاب السعة)) وضرب لها مثلاً بما يوجد في الأسواق من الطعام والشراب والثياب، فقد يكون في نفس الأمر مغصوباً، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك، كان كله له حلاً لا إثم عليه بحال، بخلاف ما إذا علم (١) .

وبيَّن رحمه الله أن من تبعات الخلاف المحرّم أن يخفى عنهم العلم بما يوجب الرخصة، فكما أن الله تعالى حرّم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم لأجل ظلمهم وبغيهم، وشريعة محمد ش لا تُنسخ، لكنهم يعاقبون بتحريم ما هو طيب حلال لخفاء تحليل الله ورسوله عندهم، كما فعل ذلك كثير من الأمة اعتقدوا تحريم أشياء فروج عليهم بما يقعون فيه من الأيْمان والطلاق، واعتقدوا تحريم كثير من المعاملات التي يحتاجون إليها كضمان البساتين، والمشاركات، فصارت محرمة عليهم تحريماً كونياً، وتحريماً شرعياً في ظاهر الأمر (٢) .


(١) انظر: مجموع الفتاوى ١٤ / ١٥٩.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى ١٤ / ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>