للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المذهبان الأولان فإنهما ليكادان يتساقطان من شدة الوهن، فالأول قال بالمنع، وبوجوب الاقتصار على مذهب واحد، وهذا القول مخالف للإجماع لأن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين، بل هو مخيَّر، فإذا قلَّد إماماً بعينه، وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه، لاسيما الإجماع، لا يرفع إلا بما مثله في القوة (١) ، كذا قال الشيخ عز الدين (٢) .

ثم إن السنة قد جاءت في إيقاع العبادات على أوجه متعددة، كالأذان، والإقامة، وأحاديث التشهد، وصلاة الخوف، وغيرها، فمن الأئمة من اقتصر على بعض تلك الوجوه، وترك الأخرى، لظنه أن السنة لم تأت به، أو أنه منسوخ، فالتزام مذهب معين قد يؤدي إلى هجر هذه السنن.

أما المذهب الثاني القائل بالجواز مطلقاً، فما سبق من كلام الأئمة في هذا المبحث، والمباحث الأخرى، كافٍ في الرد عليه.

وفي الجملة فالخير كل الخير في التوسط، وصدق المرداوي (٣) حين قال: ((وهذا هو الصواب، ولا يسع الناس في هذه الأزمنة غير هذا)) (٤) فنستدرك على الشيخ قائلين: ((بل لا يسع الناس في كل زمان غير هذا)) .

المبحث السابع: قاعدة مراعاة الخلاف


(١) انظر: نفائس الأصول ٩ / ٤١٤٧.
(٢) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن الحسن الشافعي، أبو أحمد، سلطان العلماء، صاحب ((قواعد الأحكام)) و ((الفتاوى)) توفي سنة ٦٦٠ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٧ / ٥٢٢، الأعلام ٤ / ٢١.
(٣) هو علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الحنبلي، أبو الحسن، علاء الدين، صاحب ((الإنصاف)) و ((شرح التحرير)) توفي سنة ٨٨٥ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٨ / ٥١٠، الأعلام ٤ / ٢٩٢.
(٤) انظر: التحبير شرح التحرير ٨ / ٤١١٠، شرح الكوكب المنير ٤ / ٥٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>