للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرافعي (١) رحمه الله ردّ على من اعترض على إيجاب الحدِّ على شارب النبيذ وهو مختلف عليه وعدم إيجابه على من وطئ امرأة في النكاح بلا ولي لشبهة الاختلاف فقال: ((أدلة تحريم النبيذ أظهر وأيضاً فإن الطبع يدعو إليه، فيحتاج إلى الزجر، ولهذا نوجبه على من يعتقد إباحته أيضاً، وهنا

بخلافه)) (٢) .

أما ما ذكره الشاطبي من استشكال المالكية. فقد رد عليهم القرطبي المالكي (٣) قائلاً: ((لذلك راعى مالك الخلاف، وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف، وهو جهل، أو عدم إنصاف. وكيف هذا وهو لم يراع كل خلاف وإنما راعى خلافاً لشدة قوته)) (٤) .

المبحث الثامن: ضوابط العمل بمسائل الخلاف

من تصدّى للإفتاء فليعلم أن الله تعالى أمره أن يحكم بما أنزل من الحق فيجتهد في طلبه، ونهاه عن أن يخالفه وينحرف عنه (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( [المائدة: ٤٩] فهو مخبر عن الله تعالى، ناقل عنه حكمة ولهذا جعل العلماء للإفتاء والعمل بمسائل الخلاف ضوابط شرعية حتى يكون سائغاً، وهذه الضوابط بعضها ينتهي إلى الوجوب والفرض، وأخرى تعود لدين العالم وإنصافه، ولا تعدوا أن تكون آداباً يتحلى بها المفتي في مواضع النزاع. وفي هذا المبحث جمعت ما استطعت جمعه من هذه الضوابط، إما من صريح أقوال الأئمة، أو من لوازمها، أو آداباً ذكروها في مسالة ((آداب


(١) هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي الشافعي، أبو القاسم، صاحب ((الشرح الكبير)) و ((الوجيز)) توفي سنة ٦٢٣ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٧ / ١٨٩، الأعلام ٤ / ٥٥.
(٢) انظر: الشرح الكبير ٧ / ٥٣٣.
(٣) هو أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي المالكي، أبو العباس، صاحب ((المفهم شرح صحيح مسلم)) توفي سنة ٦٥٦ هـ.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٧ / ٣٧٣، الأعلام ١ / ١٨٦.
(٤) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>