للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: إني خبأت لك مسائل فقال: خبئها لإبليس حتى تلقاه فتسأله عنها)) (١) ، وإذا كان الأمر كذلك، كان الاحتياط والاحتراز هو المتعين، يقول ابن القيم: ((ينبغي له - أي للمفتي - أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم)) (٢) .

رابعاً: وهذا الضابط يعود إلى دين المفتي وإنصافه، وهو مراعاة مذاهب الدول والبلدان، وما استقر فيها من عمل، إذا كان من الاجتهاد السائغ، فلا يصح أن يأتي من هو خارج عنهم فيشغب على أهلها وعلمائها، بفتاوى تثير البلبلة والتشويش، فعلماء البلد أعلم بأحوال أهلها، وأعرف بما ينفعهم ويضرهم، واستمع إلى ما نقله ابن تيمية في ((المسودة)) : ((حكى عن القاضي أبي يعلى أنه قصده فقيه ليقرأ عليه مذهب أحمد فسأله عن بلده فأخبره، فقال: إن أهل بلدك كلهم يقرأون مذهب الشافعي، فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا؟ فقال له: إنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت، فقال له: إن هذا

لا يصلح، فإنك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد، وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي، لم تجد أحداً يعبد معك، ولا يدارسك وكنت خليقاً أن تثير خصومة ونزاعاً، بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودلّه على الشيخ أبي إسحاق وذهب به إليه، فقال: سمعاً وطاعة، أقدمه على الفقهاء)) (٣) ، وسياق القصة يغني عن أي تعليق.


(١) انظر: الآداب الشرعية ٢ / ٥٦.
(٢) انظر: إعلام الموقعين ٤ / ٢٢٩.
(٣) المسوّدة ص ٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>