للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا لم نُجز نقل أقوالهم والافتاء بها مع علو مكانتهم وسعة علمهم، فمَن دونهم أولى بالتحريم، وأحرى بالإنكار، لاسيما بعد أن دونت المذاهب، وانتشرت الأقوال، وضبطت الأدلة.

وهذا الضابط هو أكثر الضوابط التي يقع فيها الخُلْف من بعض العلماء والدعاة، فكم من مسألة استقرّ العمل بها واستبان الحق فيها، بل وأجمعت الأمة عليها، ثم يغالطون هذا كله بالمخالفة بحجة أن الخلاف لا إنكار فيه.

لا. بل الإنكار هو المتعين، وبيان الحق هو الواجب وتختلف درجات الإنكار باختلاف الأشخاص والأحوال، فإهمال هذا الضابط يفضي إلى تمييع النصوص والاستهانة بالشرع، وفيه ما فيه على ما مرّ بك سابقاً.

ثالثاً: الحذر ثم الحذر من الأغلوطات التي نهى عنها النبي ش (١) ، يقول الخطابي: ((هي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة)) (٢) ، فكم من فتوى ظاهرها جميل وباطنها مكرو وخداع وظلم، فيسألون عن مسائل خلافية لا لمعرفة الحق، بل لضرب الفتاوى بعضها ببعض، وإظهار العلماء على أنهم فريقان، فريق متشدد متنطع، وآخر سهل لين. وقد تكون الأغلوطة في اختيار وقت الفتوى، فيلقيها على المفتي وهو يعلم ما ستحدثه من ضغائن وأحقاد. ولا تتعجب فهؤلاء يخبؤن فتواهم لهذه الأغراض، وقد رزئت هذه الأمة منذ القدم بأمثالهم، يقول مالك: ((قال رجل للشعبي (٣)


(١) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا، رقم (٣٦٥١) عن معاوية رضي الله عنه.
(٢) انظر: عون المعبود ١٠ / ٦٤.
(٣) هو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري، أبو عمرو، من فقهاء التابعين، توفي سنة ١٠٣ هـ.

انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٢ / ٢٤، الأعلام ٣ / ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>