للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهر ذلك - كما سيأتي- في موقفه من عرض أبي جعفر عليه أن يجمع الناس على قوله، ويجعل قانون القضاء الاجتهادي على وفق رأيه، لكنه رفض ذلك، مبيناً أن أنظار أهل الاجتهاد تختلف، فغيره يرى غير مايراه (٣٠) فتوحيد الفتوى في القضاء الاجتهادي على رأي مجتهد واحد فيه نوع حجر فكري، لاسيما والعصر عصر نشاط فكري متوقد، واجتهاد فقهي مزدهر. وإن موقفه ذلك ليدل على سعة أفقه وبعد نظره ومعرفته بحال عصره

٤- ... عدم رضاه عن ظلم الخلفاء واغتصابهم السلطة:

دلت بعض الروايات التاريخية على أن مالكا لم يكن راضيا عن سيرة الخلفاء العباسيين، وعن أخذهم البيعة بالإكراه، فمن ذلك.

أ- ... سأل مالك أندلسيا عن عبد الرحمن بن معاوية- الداخل - فأجاب الأندلسي: إنه يأكل خبز الشعير، ويلبس الصوف، ويجاهد في سبيل الله ... فقال مالك ليت أن الله زين حرمنا بمثله، فنقم العباسيون عليه (٣١) .

ب ... -وقال ابن عبد البر: ذكر أحمد بن حنبل أن مالكا كان لا يجيز طلاق المكره، فضرب في ذلك (٣٢) .

وهذا في نظر أبي جعفر وواليه على المدينة يمثل عدم رضا عن العباسيين وقدحا لهم، وتفضيلا لغيرهم عليهم، وهو أمر يسوؤهم لاسيما وأنه يصدر من عالم المدينة وإمامها ولعل من اسباب عدم رضاه عن العباسيين أنهم كانوا ياخذون البيعة بالإكراه، وهو غير جائز شرعا.

ويؤيد فهمنا هذا ما ذكره ابن خلدون اذ قال:"كان الخلفاء يستحلفون على العهد، ويستوعبون الأيمان كل ها لذلك، فسمي الاستيعاب أيمان البيعة، لأنها أيمان تؤكد بها البيعة، وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب، ولهذا لما أفتى مالك بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه، ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع في محنة الإمام (٣٣) .

رابعا: الجانب الساسي في محنة مالك:-

<<  <  ج: ص:  >  >>