وقيل له: أيأمر الرجل الوالي أو غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر قال: إن رجا أن يطيعه فليفعل. فقيل له: فإن لم يرج هل هو من تركه في سعة فقال: لا أدري.
وفيما يتعلق بابن ذئب فسيأتي- إن شاء الله- أن أبا جعفر أمر مناديا ينادي في المدينة ان لا يفتى الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب.
ولعل ابن أبي ذئب تغير اجتهاده في مسألة العلاقة بالخلفاء، ولعل ذلك آت من فقه الواقع والموازنه الشرعية بين المصالح والمفاسد التي تعود على الدين والدعوة والأمة.
وإن من الدعاة، ومن المدارس الفكرية والتيارات السياسية من يتبن ومن منهج العنف في النقد، والقسوة في الخطاب السياسي، وأرى أن اضطراد هذا المنهج والتوسع فيه يجعل العلاقة بين العلماء والسلطة السياسية الظالمة علاقة خصومة، مما يعطل إمكانية التعاون بينهما ويدفع السلطة السياسية الى محاصرة نشاطات العلماء وعرقلتها عن تحقيق أهدافها، والعمل على إضعاف دور العلماء على المستويين الرسمي والشعبي.
وإن جعل العنف في النقد السياسي، والقسوة في الخطاب السياسي من قبل المصلحين المعارضة منهجا مضطردا لا يبعد أن يكون مظنة لغلبة المفسدة على المصلحة، لذلك فإن تحري العلماء منهج الاعتدال في نقد السلطة السياسية أدعى إلى استجلاب التجاوب واستيلاد التقارب والتوصل إلى التعاون المثمر والاحترام المتبادل بينهما.
٢- ... عدم المبالغة في توقير ولي الأمر.
روي عن مالك قوله: دخلت على أبي جعفر فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث، ورزقني الله العافية فلم أقبل له يداً (٢٩) .
يظهر من هذه الرواية أن مالكا كان يرى تقبيل يد الخليفة نوع بلاء، لذلك ماكان يفعله. وهذا يؤكد أن مدحه لأبي جعفر في الرواية السالفة كان للضرورة اجتلابا للمصلحة واجتنابا للمفسدة.