كذلك مما يمكن أن أفسر به عدم تردد مالك في قبول المشاركة السياسية هو خصال الخير التي ألفاها في أبي جعفر، ومنها: خصلة العلم، فورد أن مالكا قال في شأن مقابلته لأبي جعفر:؛ ثم فاتحنى –يقصد أبا جعفر – فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روى (٤٩) ، لقد جمع أبو جعفر بين الإمامتين: إمامة العلم وإمامة الحكم. وكان لا يجهل ذلك من نفسه، فقد قال لمالك في مقابلته له بمنى: "لم يبق في الناس أفقه مني ومنك (٥٠) ، وفي رواية:؛ يا أبا عبد الله، ذهب الناس فلم يبق غيري وغيرك (٥١) ، ويؤكد ذلك مناظرات دارت بينه وبين مالك في المسجد النبوي (٥٢) .
ولعل خصال الخير في أبي جعفر حرضت مالكا على قبول المشاركة السياسية، كما حرضه على ذلك خوفه من أن يحتكر الفساق وأهل الفساد الوظائف العامة والعليا في الدولة، فيتأصل الظلم ويتجذر الفساد، واطمئنانه إلى أن صلاحياته في تحقيق الإصلاح ستكون واسعة.
وأرى أن تلك الضوابط كانت تمثل عند مالك ثوابت في منهجه السياسي; كان بناء عليها يحدد موقفه من المشاركة السياسية رفضا أو قبولا.
سادسا: منهجه في موقفه من الخروج على السلطة السياسية:
كان محمد النفس الزكية أفضل آل البيت في زمانه حتى بلغ من فضله وإمامته أن عقد الهاشميون ومنهم العباسيون البيعة له للخروج على الأمويين لكن العباسيين خرجوا على الأمويين قبله، فاستولى أبو العباس السفاح على السلطة، ثم جعل الخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر.