وخشي العباسيون حركة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، فجعلوها أولى أولوياتهم السياسية، فجهد أبو العباس لاعتقاله وأخيه، لكنه فشل ومات قبل أن يتحقق له اعتقالهما. وتابع أبو جعفر سياسة أبي العباس لاعتقال محمد وأخيه والقضاء على حركتهما، فلم يفلح; فقبض على أبيهما عبد الله فلم يزل يؤذيه ويبالغ في أذاه حتى استفز محمدا، فأعلن الخروج في المدينة فقال أبو جعفر”: استخرجت الثعلب من ج حره" (٥٣) .
... وكان مالك إذا قال أهل المدينة: إن في أعناقنا بيعة للمنصور قال لهم: بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين (٥٤) ، فأسرعوا إلى محمد. ولم يتخلف منهم عن الخروج معه سوى القليل (٥٥) .
... وذكر (٥٦) أن أحد الطالبيين شكى إليه مالحقهم من أذى واضطهاد، فقال مالك: اصبر حتى يأتي تأويل هذه الآية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (٥٧) ، وقد استفتاه الرشيد عن حكم قتال من خرجوا على السلطان، فأجابه مالك: "إن كان خروجهم عن ظلم من السلطان فلا يحل قتالهم، وإن كانوا إنما شقوا عصى الطاعة فقتالهم حلال (٥٨) .
لكن كيف نوفق بين مضمون هذه الروايات التي قد يفهم بعض الناس منها ميل مالك الى تأييد الخروج على أبي جعفر وبين أن مالكا لم يشارك في الخروج؟.
والجواب: إن مالكا كان يحدث بحديث المستكره إذا سئل عنه من باب نشر العلم وليس تحريضا على الخروج، وكان إذا سئل عن حكم نقض البيعة لأبي جعفر أجاب بعدم الاثم في ذلك لأنها اخذت فهم بالاكراه فهو في ذلك يبلغ علما ولا يؤيد خروجا ولا يميل اليه.
ولعله كان يرى مفسدة الخروج راجحة على مصلحته فلم يخرج ولم يؤيد الخارجين، فلا يكون ثمة مناقضة بين تحديثة وإفتائه من جهة وعدم تأييده الخروج من جهة اخرى.