للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك، أحكمت السلطة الحاكمة قبضتها على الحكم، ولم تتورع في قمع مخالفيها، بل أصبح الحصار الفكري للمخالفين والتضييق عليهم، ومواجهتهم بالاعتقال والحبس أو الإعدام أبرز النشاطات الأمنية الداخلية، لذلك لعل مالكا ما كان له بد من هجر منهج معاداة السلطة الحاكمة، إلى اعتماد منهج المشاركة السياسية وسيلة للإصلاح، ولعله أدرك أن مصلحة الدين والأمة تقتضي ذلك، والمصلحة أصل من أصوله.

سابعا: موقفه من الجانب السياسي في طلب تأليف "الموطأ":

أولا: فكرة تأليف الموطأ لدى مالك وعنايته الفائقة به.

كان اتجاه العلماء الى تدوين الحديث وأقوال الصحابة والتابعين موجودا قبل مالك، قال البخاري: فأول مع جمع من ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حده الى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف مالك الموطأ، وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم (٦٤) .

فالموطأ يعد أول كتاب ألف في الجمع بين الحديث والفقه، ففتح مالك به الباب للمؤلفين في ذلك فولجوه بعده، وسلكوا طريقه، وقد امتاز مالك فيه عمن سبقوه، بانتقاء القوي من الأحاديث، كما امتاز بترتيب الكتب ووضع التراجم وحسن السياق في التأليف وترتيب التصنيف مما لم يسبقه أحد إليه، مع ما قرنه الله به من التوفيق، وحسن نية مالك في التأليف، ولذلك اشتهر الموطأ وانتشر (٦٥) .

وذكر البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، فقال: كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (٦٦) .

قال ابن حجر: "ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ" (٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>