وذكر ابن عبد البر أن مالكا قال:كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه، ويكتب إلى المدينه يسألهم عما مضى، وأن يعملوا بما عندهم، وكتب إلى ابن حزم أن يجمع السنن ويكتب إليه، فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث إليه (٦٨) .
وورد أن أول من عمل كتابا بالمدينه على معنى الموطأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون (ت٤٦هـ) ، ولكنه عمله كلاما بغير حديث، فأتي به مالك فنظر فيه فقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا عملت لبدأت بالأثار ثم سددت ذلك بالكلام، فعزم مالك على تصنيف الموطأ، فعمل من كان يومئذ من العلماء الموطآت، فقيل لمالك:تتعب نفسك بهذا الكتاب وقد تشركك فيه الناس وعملوا أمثاله، فقال: أئتوني بما عملوا: فأتي بذلك، فنظر فيه ثم نبذه وقال: لتعلمن أنه لايرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله، فكأنما ألقيت الكتب في الآبار، وما ذكر منها شئ بعد ذلك (٦٩) .
فمالك كان مسبوقا إلى أصل فكرة الموطأ، لكنه سبق من سواه في منهجه فيه، حتى شهد العلماء للموطأ بما لم يشهدوا به لغيره من الموطآت، فقد كان مالك "من أشد الناس تركا لشذوذ العلم، وأشدهم انتقادا للرجال، وأقلهم تكلفا، وأتقنهم حفظا، ولذلك صار إماما (٧٠) ، فظهر ذلك في كتابه الموطأ.
ويدل استحسان مالك لصنيع ابن الماجشون على انغراس فكرة تأليف الموطأ في نفس مالك، من أجل حفظ علم المدينة بتدوين السنه النبوية وعلم الصحابة والتابعين، ومن أجل الاستدراك على غيره في منهج التدوين.
وقد أدرك مالك حكمة عمر بن عبد لعزيز في تكليفه أبا عمرو بن حزم بتدوين علم المدينة، وهي خوفه على السنة النبوية أن تضيع، والخوف من دروس العلم، فتعزز لدى مالك وهو إمام المدينة من غير منازع الباعث على تأاليف الموطأ.
وكان مالك يرى أن الحديث هو حديث الحجاز، فقال:؛إذا جاوز الحديث الحرمين ضعف نخاعه (٧١) ، فعزم على جمعه، خوف ضياعه.