للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي معرض الكلام عن أخذ الإمام مالك بالمصلحة واسترساله في ذلك، مراعيا مقاصد الشارع غير مناقض لها ولا خارج عنها، قال الشاطبي: أما قسم العادات الذي هو جار على المعنى المناسب الظاهر للعقول، فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، نعم مع مراعاة مقصود الشارع أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله (٨٣) .

وقد برزت المصلحة دليلا شرعيا معتمدا بشكل واضح في الفكر السياسي عند مالك، ففي مقابلته وأبي حنيفة وابن أبي ذئب لأبي جعفر لم نجده قاسيا في الكلام كصاحبيه، فهما أخذا بالعزيمة، أما هو فتمسك بالرخصة، ولعله قدر أن المصلحة في الأخذ بها أعظم من المصلحة في الأخذ بالعزيمة فمدح أبا جعفر وبارك له بالخلافة ودعا له بالعون والتوفيق من الله.

وإني أرى موقف أبي حنيفة وابن أبي ذئب أبرا للذمة، وأرى موقف مالك أسلم في سبيل مصلحة الدعوة والأمة، لاسيما وأن صاحبيه قد أديا فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن موقفه كان أدعى لأن يسمع منه أبو جعفر لو طلب منه إصلاحا لبعض ما فسد، وهذا فيه مصلحة عظيمة، وأراهم جميعا قد وف قوا من غير اتفاق في مواقفهم في تلك الجلسة مع الخليفة، فكل واحد منهم حقق مقصدا شرعيا، وذلك أن كلا من العزيمة والرخصة تحقق المصلحة في مجالها.

ولقد راعى مالك الواقع وظروفه، فالواقع يقتضي عدم الاستعداء، وإن كانت القناعة تدفع إلى القسوة، وإن ذلك ليدل على أن المصلحة أظهر ما يمكن أن يكون مستندا لمالك في موقفه ذلك.

كذلك، برزت المصلحة مؤثرة في اختياره سبيل الإصلاح ورغبته عن سبيل الخروج.

<<  <  ج: ص:  >  >>