١- ... ابن هرمر، أبو بكر عبد الله بن يزيد الأصم (ت٨٤١هـ) تتلمذ عليه الإمام مالك ثمانية أعوام (٨٤) ، واستحكمت المودة بينهما، حتى أفضى إليه ابن هرمز بسره السياسي الخطر، وهو مشاركته في الخروج المسلح على سلطة الحكم العباسية. فابن هرمز كان يرى مشروعية الخروج المسلح ضد من تغلب على الحكم وجعله وراثيا ومما يدل على ذلك الاتجاه الفكري عند ابن هرمز موقفه العملي، فقد خرج مع محمد النفس الزكية سنه ٥٤١هـ- يحمل قوسه، فقيل له: والله ما فيك شيء. فقال: قد علمت، ولكن يراني جاهل فيقتدي بي (٨٥) فلم يتحلل من بيعته لمحمد النفس الزكية على الرغم من تحلل الآلاف ممن بايعوا.
فابن هرمز شارك فعليا في ثورة محمد النفس الزكية، ولكن مالكا لم يشارك، مما يدل على استقلال مالك في منهجه، وعدم تأثره بمنهج شيخه.
٢- ... ابن شهاب الزهري، أبو بكر بن مسلم المدني بن زهرة، (ت٤٢١هـ) ، كان يدخل على الخلفاء ويجالسهم ويتقبل هداياهم، وكان مؤدبا لأبناء هشام (٨٦) .
وقد توافق مالك مع شيخه ابن شهاب في الدخول على الخلفاء وقبول هداياهم، فيروى قبوله عطاء أبي جعفر، فقد قبل ثلاثة ألآف دينار أعطاها له أبو جعفر ليشتري مسكنا له (٨٧) ، كذلك شكى إلى الرشيد دينا ألم به، فأمر له بألف دينار، فلما هم بالانصراف قال: يا أمير المؤمنين: وزوجت ابني محمدا فصار عليَّ فيه ألف دينار; فأمر الرشيد له بألف أخرى (٨٨) وورد أنه سئل عن حكم قبول العطاء فقال:"أما الخلفاء فلا شك، وأما من دونهم فإن فيه شيئا (٨٩) .
... فكان مالك يرى أن للعالم حقا في بيت المال، وأن الخلفاء إن أعطوا فإنما يعطون من المال العام وليس من خاصة ماله. والعالم له رزق في بيت المال يستحقه لقاء تفرغه للتعليم والتربية والفتيا (٩٠) ، ثم إنه لو لم يقبلها لعل الحاجة تؤدي به إلى ما لا يليق بأمثاله. فكان له مستنده الشرعي وضابطه الفقهي في ذلك الاتجاه الفكري والمنهج السلوكي.