لقد توافق مالك مع شيخه الزهري في الدخول على الخلفاء وقبول عطاياهم، غير أن روايات ذكرت عدم سرور مالك وهو يقبل عطايا الخلفاء وأنه كان يرى في ذلك شيئا ; فروي: أنه سئل عن ذلك، فكرهه، فقيل له: إنك تقبلها. فقال: أتريد أن تبوء بإثمي وإثمك معا (٩١) وفي رواية:أجئت تبكتني بذنوبي (٩٢) .
وأرجو أن لا أجافي الصواب إذا قررت عدم التعارض بين قبول مالك عطايا الخلفاء وكرهه لذلك، فيحمل قبوله لها وطلبه إياها على حال الاستحقاق في بيت المال. ويحمل كرهه لها على حال أخذها بغير حق، وحال التوسع في أخذها ولو كان بحق، ولعله خشي أن يفسر فعله ذلك على غير وجهه، فيقلده فيه الجهال أو غير الورعين، فيقبلون عليه من غير مستند شرعي أو يقبلون عليه من غير ضابط فقهي.
لقد كان مالك منطلقا في منهجه في قبول العطاء من مستند شرعي ونظر اجتهادي وليس تقليدا لشيخه الزهري ولا تأثرا به.
٣- ... جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت ٨٤١هـ) . لم يعن قط بالسياسة بل كان همه التربية.
وقد توافق موقف مالك مع موقف شيخه جعفر الصادق، فقد اعتزل مالك طريقة الخروج على الخلفاء، ولأن مالكا قد بلغ درجة الاجتهاد فإنني أرى أن توافقه مع شيخه جعفر الصادق ليس ثمرة تقليد وتأثر، ولكنه ثمرة اجتهاد مستقل، فإن مالكا قد بلغ رتبة الاجتهاد المطلق.
٤- ... ربيعة الرأي (بن فروج أبي عبد الرحمن المدني)(ت ٦٣١هـ)(٩٣) كان
يدخل على الخلفاء ويقابلهم، لكن لا ليأنس بمقابلتهم أو ينال منهم، وإنما ليفتيهم وينصحهم، فق دروى مالك أن ربيعة قابل أبا العباس السفاح، فأمر له أبوالعباس بجائزة فرفضها ربيعة، فأعطاه أبو العباس خمسة آلأف درهم ليشتري بها جارية فامتنع عن قبولها.