للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّن اعترض على الفرَّاء: مكي بن أبي طالب ت (٤٣٧ هـ) ، إذ يقول: "وقال الفرَّاء لفظها لفظ منصوب، ومعناها معنى مرفوع؛ وهذا محال؛ لأنَّ التاء هي الكاف في " أَرَأَيْتَكَ " فكان يجب أن تظهر علامة جمع في التاء، وكان يجب أن يكون فاعلان لفعل واحد، وهما لشيء واحد، ويجب أن يكون قولك " أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع؟ " معناه: أَرَأَيْتَ نفسك زيداً ما صنع؟ لأنَّ الكاف هو المخاطب، وهذا الكلام محال في المعنى، ومتناقض في الإعراب، والمعنى؛ لأنك تستفهم عن نفسه في صدر السؤال، ثم ترد السؤال عن غيره في آخر الكلام، وتخاطب أولاً، ثم تأتي بغائب آخر؛ ولأنَّه يصير ثلاثة مفعولين ل (رأيت) ، وهذا كله لا يجوز" (١) .

والراجح في المسألة ما ذهب إليه البصريون من عدِّ "الكاف" حرف خطاب، والتاء ضمير الفاعل؛ لأنَّه محكومٌ بفاعليّة "التاء" في غير هذا الفعل بإجماع، ولم يُعْهَدْ ذلك في الكاف، ثم إنَّ الكاف يُسْتَغْنى عنها بخلاف التاء فكانت التاء أولى بالفاعليَّة، والدليل على أنَّ الكاف يُسْتَغْنى عنها أنَّ معنى: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما حاله، هو أَرَأَيْتَ زيداً ما حاله؟

... ثم إنَّ الاسم الواقع بعد الكاف لما كان غير الكاف، فإنَّ هذا ليدل دلالة واضحة على أنها ليست المفعول الأول ل أَرَأَيْتَ لأنَّ هذا الفعل يتعدَّى إلى مفعولين الأول منهما هو الثاني في المعنى، فبهذا يكون الكاف حرفَ خطاب بمنزلة الكاف في: "ذَلِكَ"، و"هُنَالك"، و"رُوَيْدَكَ".

أمَّا "التاء" في "أَرَأَيْتَكَ" فلا يجوز أن يكون للخطاب؛ لأنَّه لا يجوز أن يلحق الكلمة علامتان للخطاب.


(١) مكي بن أبي طالب القيسي، مشكل إعراب القرآن، ١/٢٦٦، وممن ردّ مذهب الفراء: السمين الحلي، انظر السمين الحلبي، الدر المصون، ٤/٦٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>