للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أنّ الهمز عند الخليل هو الصوت المحقَّقُ للهمزة الذي يخرج من أقصى الحلق؛ والنّبر: هو الهمزة المخففة بوجهٍ من وجوه التسهيل. وهذا مذهب الزمخشري، وابن يعيش، فقال: (اعلم أنّ الهمزة حرفٌ شديدٌ مستثقلٌ، يخرج من أقصى الحلق؛ إذْ كان أدْخلَ الحروف في الحلق، فاستثقل النطق به، إذْ كان إخراجُه كالتهوّع، فلذلك الاستثقال ساغ فيها التخفيف، وهو لغة قريش وأكثر أهل الحجاز، وهو نوعُ استحسانٍ لثقل الهمزة، والتحقيق لغة تميم وقيس، قالوا: لأنّ الهمزة حرف فوجب الإتيان به كغيره من الحروف. وتخفيفها كما ذَكر: يكون بالإبدال، والحذف، وأن تُجعل بين بين؛ فالإبدال: بأن تُزيل نبْرتها فتَلين، فحينئذٍ تصير إلى الألف والواو والياء على حسب حركتها وحركة ماقبلها، وأمّا الحذف فأنْ تُسقطها من اللفظ البتة؛ وأمّا جعلُها بين بين، أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، فإذا كانت مفتوحةً تجعلها بين الهمزة والألف، وإذا كانت مضمومةً بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورةً بين الياء والهمزة) (١) . وأما سيبويه فإنّه لايرى فرقاً بين الهمز والنّبر، بل هما اسمان لمسمّى واحدٍ، فالهمزة المحققة عنده تسمّى نَبْرة، والعكس، أي: أنّ اختلاف الاسم – عنده – لايوجب اختلاف المسمّى، فقال: (واعلم أنّ الهمزة إنّما فَعَلَ بها هذا من لم يخفّفها؛ لأنّه بَعُد مخرجُها؛ ولأنّها نبْرةٌ تخرج باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجا، فثقل عليهم ذلك؛ لأنّه كالتهوُّع) (٢) ، فنلحظ من كلامه أنّه سوّى بين الهمزة والنّبرة.

والرّاجح هو قول سيبويه؛ لأنّه مذهب جمهور اللُّغويين، والنّحويين، والقُرّاء؛ إِذْ ذهبوا إلى أنّ الهمز والنّبر مترادفان على معنى واحدٍ.


(١) ينظر المفصل ٣٤٩، وابن يعيش ٩/١٠٧.
(٢) ينظر الكتاب ٣/٥٤٨، وانظر الإقناع ١/٣٥٨، وشرح الشافية ٣/٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>