للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث عن موضوع التّداخُل في اللّغات مطلقاً، يحتاج إلى بحثٍ مستقلٍ، إلاّ أنّني سأقتصر في هذا المبحث على الأفعال التي اختلف فيها سيبويه والخليل، هل هي من باب تداخل اللُّغات أو أنّها شاذّةٌ؟ مبيّنا موقف العلماء من الخلاف بينهما، فأقول: قال سيبويه: (وقد بنوا "فَعِل" على "يَفْعِلُ" في أحرفٍ، كما قالوا: "فَعُل يَفعُلُ"، فلزموا الضمّة، وكذلك فعلوا بالكسرة فشُبّه به، وذلك: حَسِب يَحْسِبُ، ويَئِس يَيْئسُ، ويَبِس يَيْبِسُ، ونَعِم يَنْعِمُ ... ، والفتح في هذه الأفعال جيّدٌ، وهو أقيس.

وقد جاء في الكلام "فَعِل يَفْعُلُ" في حرفين، بنوه على ذلك كما بنوا "فَعِل" على "يَفْعِلُ"؛ لأنّهم قد قالوا: "يَفْعِلُ" في "فَعِل"، كما قالوا في "فَعَل"، فأدخلوا الضمة كما تدخل في "فَعَل"، وذلك: فَضِل يَفْضُلُ، ومِتَّ تَمُوتُ؛ وفَضَل يَفْضُل، ومُتَّ تَمُوتُ أقيسُ.

وقد قال بعض العرب: كُدتَ تكادُ، فقال: "فَعُلْتَ تَفْعَلُ"، كما قال: "فَعِلْتُ أَفْعَلُ"، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمّة.

وهذا قول الخليل، وهو شاذٌٌّّ من بابه، كما أنّ "فَضِل يَفْضُل" شاذٌّ من بابه.

فكما شَرِكَتْ "يَفْعِل يَفْعُل"، كذلك شَرِكَتْ "يَفْعَل يَفْعُل". وهذه الحروف من "فَعِلَ يَفْعِلُ" إلى منتهى الفصل شواذٌّ) (١) .

وقال في موضعٍ آخرَ: (وأما "مِتَّ تَمُوت" فإنّما اعتَّلت من "فَعِل يفْعُل"، ولم تحوّل كما يحوّل "قُلت، وزُدت"؛ ونظيرها من الصحيح "فَضِل يَفْضُل".

وكذلك: "كُدتَ تكاد"، اعتلَّت من "فَعُل يَفْعَل"، وهي نظيرة "مِتَّ" في أنّها شاذّةٌ، ولم يجيئا على ماكثُر واطّرد من "فَعُلَ" و"فَعِلَ") (٢) .

وخلاصة كلام سيبويه: هو أنّ الخلاف بينه وبين الخليل يتركّز في ثلاثة محاور:


(١) ينظر الكتاب ٤/٣٨ – ٤١.
(٢) ينظر الكتاب ٤/٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>