للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبتمحيص هذه الشواهد التي ساقوها دليلاً على ما ذهبوا إليه نجد أن بيت كثيِّر مرويٌّ في جلّ المصادر ب (لم يَحْلَ) وهي رواية أحسن في المعنى؛ لأنه يشكو لعزة حاله فيما مضى بعد فراقها إياه وأنه كان مشتتاً كأيادي سبا، ولم يَحْلَ له منظر منذ ذلك الفراق، وهذا المعنى عذب في عرف المتصافين، دالٌّ على ثبات الود، و (لم يحلَ) هي المتسقة مع هذا المعنى لإحالتها زمن المضارع للمضي، أما رواية (لن يحلَ) فهي غير متسقة مع المعنى؛ لأن فيها إقراراً بأنه قد حلي له فيما مضى منظر، وكأنها تعاتبه على ذلك، وهو يأسف على ما بدر منه، ويؤكد لها أنه فيما بعدُ لن يَحْلَى له بعدها منظر إنْ هي سامحته٠

وكذلك بيت النابغة (لن أُعَرِّضْ) مرويٌّ في المصادر القديمة ب (فلم أُعرِّضْ) ،أو (فما عَرَضْتُ) ، ورواية (لم أعرّض) وكذلك (فما عرَّضت) أقوى في المعنى من رواية (فلن أعرِّض) لأن الرجل ينفي عن نفسه تهمةً رُمِيَ بها عند النعمان في شأن المتجرّدة، وينكر تلك التهمة من أساسها، ورواية (لن أعرِّضْ) فيها إقرار منه بما رُمي به، ومعاهدةٌ بعدم العود مستقبلاً، وفرق شاسع بين نافٍ ما اتهم به، ومقرٍّ معترف معتذر معاهد بعدم العود ٠

أما بيت الأعرابي في مدح الحسين رضي الله عنهما فقال عنه البغدادي: ((البيت أنشده أبو الحسين بن الطراوة، وأقول: كيف يصح اجتماع لن مع الآن، ولا يصح ذكر الآن إلا مع لم، فإن قلت اجعل الخيبة المقيَّدة بالآن منفية بالمستقبل قلت: الخيبة المنفية إنما هي المقيدة بالآن ٠٠٠ قال البَطَلْيَوْسي: وجزم الأعرابي بلن، وذكر اللِّحياني أن ذلك لغة لبعض العرب يجزمون بالنواصب، وينصبون بالجوازم)) (١)

والرواية المشهورة لحديث ابن عمر هي (لم ترع لم ترع) ، ولكن رواية (لن ترع لن ترع) أحسن من حيث المعنى فقط؛ لأن فيها بشارةً لابن عمر رضي الله عنهما بأنه لن يراع في قادم الأيام ٠


(١) شرح أبيات المغني: ٥/١٦١ ٠

<<  <  ج: ص:  >  >>