للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خَالَفَ ابنُ الباذِش في هذا الرَّأيِ سِيْبَوَيْه وغَيْرَه مِنْ نُحَاةِ البَصْرَة حَيْثُ يَذْهَبُ سِيْبَوَيْه إلى أنّ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤُلاءِ) خَبَرٌ و (تَقْتُلُونَ) في مَوْضِعِ الحَالِ (١) .

ويَتَعَجَّبُ أَبُو حَيَّانَ مِنْ رَأيِ ابنِ الباذِش فيقولُ (٢) : " ولا أَدْري مَا العِلَّةُ في عُدُولِه عَنْ جَعْلِ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤلاءِ) الخَبَرَ إلى عَكْسِه "، ولَعَلَّ في رَأْيِ ابنِ الباذِش شَيْئاً مِنْ الصَّوابِ إِذ لَمِ يُرِدْ اللهُ سُبْحانَه وتعَالى الإشَارَةَ إِلَيْهِم، إِنَّما أَرَادَ الإخْبَارَ عَن مَاهِيَّتِهِم وتَصَرُّفَاتِهِم مِنْ قَتْلِ النّفْسْ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وغَيرِ ذلك،فالمَعْنى المُرَادُ مِنْ الآيَةِ: أَنْتُم تَقْتُلُونَ أَنْفَسَكم وتَسْفِكُون دِمَاءَكُم،ولِتَوضِيحِ المَعْنى نُفَرِّقُ في المَعْنى بَيْنَ (هؤلاءِ أَنْتُم) و (أَنْتُم هؤلاءِ) ، ففي الجُمْلَةِ الأولى الإخْبَارُ عَنْ اسْمِ الإشَارَةِ، أيْ:الإخْبَارُ عن المُشَارِ إليه بضَمِيرِه، أي:بِذَاتِهِ، ولَيْسَ هذا هو المُرَادُ في الآيَةِ، وإِنَّمَا المُرادُ الإخْبَارُ عَنْ ذَاتِهم أنَّهُم يَفْعَلُونَ كَذا وكَذا، كَقَولي لَكَ: أَنْتَ هذا تَأكُلُ وتَشْرَبُ، والمَعْنى يُوحِي أَنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَوْكيدٌ للضَّميرِ، وهذا المَعْنى هو الّذي دَفَعَ ابنَ الباذِش إلى القولِ بهذا الرَّأيِ، وأَرَاه صَواباً، والله أعلم.


(١) انظر الكتاب ١/٣٧٩، وابن يعيش ٢/١٦،٤/٢٤.
(٢) البحر ١/٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>