للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هذا ليدل على إدراك النحاة بأهمية التنغيم فالواو خصصت للندبة لما فيها من التفجع والحزن إذ ((المراد رفع الصوت ومده لإسماع جميع الحاضرين)) (١) إن هذه الإشارات التي ذكرها علماء العربية تدل على أنهم عرفوا لما للتنغيم من أهمية في إيضاح المعاني. فالفرق بين كم الاستفهامية وكم الخبرية، إنما تأتي أن كل واحدة منهما تحتوي على أداء معين بها تتميز. والنحاة عند استنباطهم واستخراجهم قواعد اللغة اعتمدوا على سماع كلام العرب، ففرقوا بينهما على أساس ما تشتمل عليه من نغمات. ومثل هذا نجده في صيغ التعجب وأساليبه القياسية والسماعية. فالنغمة التي في التعجب توحي بأن هنالك شيئاً خفياً حمل المتكلم على التعجب، وهو ضرب من الإيهام. وقد قال الزركشي نقلاً عن الرماني ((وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي)) (٢) فصيغتا التعجب ((ما أَفْعَلَهُ)) و ((أَفعلْ بِهِ)) تشتمل الأولى على نغمة صاعدة ثم مستوية ثم منحدرة. أما أفعل به فمستوية ومنحدرة.

إن التنغيم هو الذي يفرق بين الإغراء والتحذير في قولك ((الرجلَ الرجلَ)) فإذا كانت النغمة مرتفعة فإنها تحذرك من الرجل وأما إذا نطقت بنغمة مستوية فإنها تدل على الإغراء. من هنا كانت إشارات ابن جني الذكية تدل على أهمية التنغيم فقد بين أن ((.. لفظ الاستفهام إذا ضامه معنى التعجب استحال خبراً. وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهماً)) (٣) والذي يدل على ذلك إنما هو التنغيم الذي يجعل المتحدث يمد صوته عندما يقول أي رجل مستخدماً النغمة العالية المنتهية بالمنحدرة. ويذكر السيوطي ما حدث بين الكسائي واليزيدي حين سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الخليفة هارون الرشيد عن بيت من الشعر أنشده وقال له هل ترى فيه من عيب:


(١) المصدر نفسه ج٢ ص
(٢) البرهان في علوم القرآن المجلد الثاني ص ٣١٧.
(٣) الخصائص ج٣ ص ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>