للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلماء النحو وقفات ذكية تدل على تنبههم لما يحدثه التنغيم من توضيح وبيان للإعراب. وقد اطلعت على الدراسة الجادة التي قام بها أحمد كشك في كتابه ((من وظائف الصوت اللغوي)) وكنت قبل مطالعتي كتابه القيم ألقيت في عام ١٤٠٠ هـ محاضرات في علم اللغة على طلابي بمرحلة البكالوريوس بقسم اللغة العربية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة ذكرت فيها أن ابن جني بحسه أدرك أهمية التنغيم في تفسير بعض المسائل الإعرابية عندما تعرض لقضية حذف الصفة في قولهم ((سير عليه ليل)) يقول: ((وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سير عليه ليل وهم يريدون ليل طويل وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها. وذلك إنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله طويل ونحو ذلك)) (١) .

كما أنك عندما تمدح إنساناً وتثني عليه وتقول: ((كان والله رجلاً فتزيد في قوة اللفظ ب ((الله)) هذه الكلمة وتتمكن من تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها أي رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك)) (٢) .

إن قول ابن جني ((فتزيد في قوة اللفظ ب ((الله)) وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها)) هو نطق الكلمة منغمة. كما أن النحاة قد استخدموا مصطلح الترنم للدلالة على التنغيم. فالترنم إنما هو مد الصوت وإطالته وهو ظاهرة تنغيمية يقول ابن يعيش: ((اعلم أن المندوب مدعو ...)) ويقول: ولما كان مدعواً بحيث لا يسمع أتوا في أوله بياء أو واو لمد الصوت ولما كان يسلك في الندبة والنوح مذهب التطريب زادوا الألف آخراً للترنم (٣) .


(١) الخصائص ج٢ ص ٣٧٠، ص ٣٧١.
(٢) المصدر نفسه ج٢ ص ٣٧١.
(٣) شرح المفصل ج٢ ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>