للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضاف إلى ما ذكره من خصائص الصحراء أنه يتهادى إلى سمعه أصوات البوم، وهي من طيور الصحراء والخراب التي يشبه صياحها بضرب النواقيس، ويصف موضع رحله حيث عرّس بأنه أصبح أثرًا بعد عين أن سفت عليه الرياح فمحت كل أثر. ويقص علينا ما تعانيه حيوانات الصحراء من جوع ومسغبة، من أظهرها الذئب الذي جلبته رائحة الشواء، فأقبل يتهادى على الرغم من أنه يخشى الإنسان، وينفر من ضياء النار، فرمى إليه قطعةً من الشواء، فآب ينفض رأسه جذلاً وحبورًا بعد أن ظفر ببعض ما يسد جوعه، ويشبهه في أوبته بأوبة فارس شجاع كمي السلاح من ساحة الحرب بعد أن نال من غنائم العدو ما نال.

ويذكر منظرًا من طبيعة الصحراء، وهو أنه يمر في سيره بجبال تكاد تغرق في السراب، ويشبه قننها ورؤوسها برؤوس جبال يكتنفها الماء، فهي تبدو تارة وتختفي أخرى. ويؤكد هذا المعنى في البيت الأخير، وهو أنه كلما تجاوز جبلاً يهتدي به بدا جبل أغبر آخر يلوح من خلال السراب لا يكاد يرى.

والرحلة في قلب الصحراء ووصف مسالكها ودروبها ومعالمها وحيواناتها وطيورها موضوع مأثور في قاموس الشعر الجاهلي، نجد نماذج منها في القصائد السبع أو العشر الطوال الجاهليات التي عرفت عند بعض الباحثين بالمعلقات، وكقصيدة امرئ القيس الرائية التي وصف فيها رحلته إلى قيصر الروم مستنجدًا به لاستعادة ملك أبيه (١) ، وكقصيدة عبيد بن الأبرص الطائية (٢) ، وفي شعر الصعاليك أمثلة كثيرة.

أثر الصحراء في موضوعات الشعر:


(١) ديوانه: ٥٦. ...
(٢) ديوانه: ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>