فقد تابعت فيها الناخي رسمها للأجواء السياسية التي يعاني منها العرب والمسلمون، ففي لا تكن جلاداً (٣١) يتمكن البطل من الفرار من وطنه واللجوء السياسي إلى دولة ما، وهي ظاهرة كثر أمثالها في عصرنا هذا، وتصوره القاصة يناجي طائراً فيكشف بذلك عن مكنونات نفسه المعذبة، ومن توارد الأفكار على مخيلته ندرك مدى الشقاء الذي يحس به، فهو يجوع طويلاً، وإن أكل فكسرة خبز يطفئ بها هياج أمعائه الخاوية، وهو يعاني الذل والهوان ويحس كأن الناس يطؤونه بأقدامهم، ويفتقر وسط هذه الحضارة المادية إلى الأخوة الإنسانية، وأنى له هذا في مجتمع الغرباء الذي ازدحم فيه الناس، وغدا كلٌّ يفكر بنفسه وسط ضجيج الحياة، وضجيج الكنائس الذي يمقته ويجعله يحن إلى صوت المآذن.. ويتخيل البطل وهو شارد الذهن أن الطغاة يلاحقونه فيتلفت هنا وهناك.. ثم تنقله أفكاره إلى أهله وأولاده، فيتصور نفسه بينهم، ولكن هؤلاء ينصحونه بالعودة إلى مغتربه ... ويظل الرجل يذكر الوطن والمعذبين حتى تأتيه رسالة تخبره أن العدو اعتقل ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وبذلك تكتمل صورة الإجرام الوحشي للمستعمر الذي يجثم على صدر الوطن، وينكل بأبناء البلاد كبارهم وصغارهم.
هذه القصة حسب تقديري (٣٢) تمثل واقع الإنسان الفلسطيني الذي يلاقي العنت من الاحتلال الإسرائيلي، إذ يعذب من يناوئه أشد العذاب حتى إن الكثيرين يلاقون حتفهم على أيديه وهم لا يزالون في عمر الورود.