وقد وفقت الأديبة في ربط حوادث القصص بعضها إلى بعض برابط السببية، فالمقدمة تنقلنا إلى الحدث، وهذا يتطور حتى النهاية، وكل جزئية تصلنا إلى ما بعدها؛ فصوت الإنذار بالخطر في " أحزان ليل "(٥١) والمتكلم الذي ينادي " ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم " وحيرة الجميع، والأسئلة التي تعصف بالرؤوس تبحث عن أسئلة شافية كل هذا يدعو إلى الذعر وإلى الظن بأن عدواً يتربص بهم، وأنهم وقعوا في الفخ، ولهذا أرسل الخفير، ولما تأخر تطوع الشيخ بنفسه ليبحث عن السبب، وانتظر الجميع عودة الشيخ المهيب على حد قول الأديبة، ولكن بلا جدوى.
وقد يتدخل القدر لينهي الحدث بطريقة غير منطقية كما في " رحلة الضياع "(٥٢) ، إذ فوجئت بورقة الطلاق على الرغم من إخلاصها لزوجها وتحملها لنوباته التشنجية؛ وقد يكون القدر ناتجاً عن خطأ ارتكبته الشخصية كما في " الصمت الصاخب "(٥٣) إذا كان السائق الغريب لا يدرك هياج البحر في مدّه، ولهذا تعرّضت الأسرة للخطر.
وتسير الناخي في حوادث القصص مفصلة لجزئياتها حيناً، ويصير هذا التفصيل عنصر تشويق في القصة، كما في " إعصار " إذ صورت الحالة النفسية التي كان عليها البطل تصويراً مفصلاً مما دعا إلى الإشفاق عليه، لنقرأ لها قولها تحدثنا عن حالته إثر قراءة نبأ احتلال العراق للكويت:
" بدأ بقراءة العناوين ... وما إن انتهت سطورها العريضة حتى انطلقت من داخله صرخة حبيسة:
اكتملت اللعبة.. الدائرة تدور
أسرع نحو الهاتف.. أداره في عصبية، أرسل رنينه المتتابع في إلحاح:
أريدك حالاً.
لعل الداعي خير.
تعال بسرعة ... إني أحترق.
لم يستطع إتمام حديثه، كان منهاراً، تهاوى متهالكاً، سقطت سماعة الهاتف من يده، بدأت روحه تحلق في سماء الغرفة التي أحس بجدرانها تنطبق على جسده لتسحقه، وشعر بكتل من اليأس تتراكض حوله بحزن العالم كله.. تهاجر إلى قلبه (٥٤) .