انزلقت سماعة الهاتف لتسقط متدلية، وانخرطت في بكاء حار.. أصوات متداخلة وأقدام كثيرة تقترب وتبتعد، صوته يخترق سمعي مواسياً كعهدي به دائماً، رفعت رأسي تصفحت وجهه، كان ينم عما في داخله من قلق دفين.
أحسست ساعتها بفقدان قدرتي على التحكم بأعصابي، وقد تراءت لي الأشياء بألوان مختلفة، والزمن يتمطط، وحين يقع الإنسان فريسة للمخاوف يصبح عاجزاً عن الصمود أمامها ومواجهتها بصلابة " (٧٤) .
لقد استطاعت الأديبة أن تترجم عن إحساسها بهذه التجربة الشعورية التي أحست بها، فكأنها رسامة عواطف بقلم فني مداده ألفاظ صادقة نبعت من سويداء قلبها، فجعلها تختار كلمة " جف حلقها من مناداتكم " لتشير إلى شدة شوق أمها لأولادها و " وانزلقت سماعة الهاتف.. ولا تعي إلا أقداماً تقترب وتبتعد " لتعبر بذلك عن أثر الصدمة والذهول الذي أصابها، وعن إحساسها بالعجز عن مواجهة الخطب بجلد وقوة.
وقد تدع الأديبة شخصياتها تتصرف تصرفات فجائية، لكن المفاجأة تبدو مقنعة فعودة الزوج في " أنامل على الأسلاك " (٧٥) بعد إهمال الأسرة طويلاً كان أمراً مفاجئاً للبطلة، ولكنه كان استجابة لوازع الضمير الذي حركه سماع صوت ابنته الطفولي من الهاتف، وموت البطل في " إعصار " (٧٦) كان بسبب الصدمة النفسية التي أصابته عندما سمع نبأ اعتداء العراق على الكويت.