للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقرّر في علم الأصول والَّذي كان عليه القرون المفضّلة أن الأمر للوجوب إِلاَّ إذا وجدت قرينة تصرف عن ذلك الوجوب وهي هنا معدومة، فحصل الاتفاق على الوجوب، إِلاَّ أن الكثير من العلماء يقول: هي فرض كفاية يسقط بفعل البعض (١) لأنّ الشارع ينظر إلى الفعل دون النظر إلى فاعله في فرض الكفاية، بخلاف فرض العين فإِنَّ الشارع ينظر فيه إلى كلّ عين من أفراد المكلّفين، كالصلاة والصوم والزكاة مثلاً، أمّا إنقاذ الغريق مثلاً فهو فرض كفاية، وأي فرد من أفراد الأمّة أنقذه سقط الإثم عن الباقين، ولو تركوا إنقاذه أثموا جميعًا وهلم جرًّا.

سبب الخلاف

إنّ سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة اختلافهم في فهم المراد ب (مِن) من قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ((٢) .

قالوا: إنّ الدعوة إلى الخير تشمل مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعدها من باب ذكر الخاص بعد العام إيذانًا بفضلهما، أو المراد ذكر الدعاء إلى الخير مفصّلاً بعد الدعاء إليه مجملاً فلزمت دعوة الأمّة لهذا الخير العظيم الَّذي يشمل مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، ثُمَّ قال بعضهم: إن هذا التبليغ يصحّ من بعضهم دون الجميع، وقال بعضهم: إِنَّه يلزم جميع أفراد المكلّفين أن يكونوا دعاة إلى الله حسب استطاعتهم.


(١) انظر روح المعاني: ٣/٢١، ط دار الطباعة المنيرية.
(٢) الآية ١٠٤ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>