وأشار إليهم بإشارة البعيد:«أولئك» إشارة إلى علو منزلتهم بالتوبة. و «أولئك» مبتدأ، وخبره جملة «يتوب الله عليهم» .
وهذه الجملة توكيد لما قبلها، فقد حصر سبحانه التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، والتزم بذلك لهم، ثم أكده بقوله (فأولئك يتوب الله عليهم (فهذا وعد من الله بأن يفي لهم، ويقبلها منهم بعد أن وفقهم إليها (١) .
قوله تعالى: (وكان الله عليماً حكيماً (.
كان: مسلوبة الزمن، تفيد تحقيق اتصاف اسمها بخبرها، أي: أنه سبحانه متصف بالعلم والحكمة أزلاً وأبداً.
عليماً: خبر كان منصوب، وهو اسم من أسماء الله تعالى على وزن «فعيل» صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، وهو مشتق من العلم وهو إدراك الأشياء على ما هي عليه إدراكاً جازماً.
أي: أنه عز وجل ذو علم تام، كامل، كما قال كليمه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عندما سئل عن القرون الأولى: (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ( [طه: ٥٢] .
فنفى عن ربه الضلال وهو الجهل السابق، والنسيان وهو الضلال اللاحق.
وعلمه عز وجل علم واسع شامل للأشياء كلها في أطوارها الثلاثة قبل الوجود، وبعد الوجود، وبعد العدم.
كما قال تعالى: (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ( [الطلاق: ١٢] .
وقال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب مبين ( [الأنعام: ٥٩] .
وقال تعالى: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( [يونس: ٦١] لا يعتري علمه شك ولا ظن، بل هو علم يقين.