للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك كان للرومان مثل هذه التصرفات، كما كان لليهود ما يشبه ذلك (١) .

بعد هذا العرض السريع لبعض حالات الوقف قبل الإسلام نعود لمناقشة الأثر المروي عن الإمام الشافعي في تخصيصه الوقف بالإسلام، ففي الحقيقة أنني لم أستطع أن أفسر ما نقل عن الشافعي إلا بأنه - رحمه اللَّه - لم يطلع على حالات الأوقاف قبل الإسلام، وإن كان بعض العلماء - رحمهم اللَّه - حاولوا أن يجدوا مبرراً لقول الشافعي إلا أن هذه المبررات ضعيفة جداً يعارضها الواقع.

فمثلاً قال أبو الضياء: قوله: "لم تعرفه الجاهلية ": لعل المراد بهم هنا من لم يتمسك بكتاب كعبدة الأوثان (٢) .

وهذا القول مندفع بما ذكرناه من الأوقاف المرصودة على الأصنام والمعابد والمقابر.

وقال الدسوقي: " ولا يرد على الشافعي بناء قريش الكعبة وحفر بئر زمزم، لأنه لم يكن تبرراً بل فخراً " (٣) .

المبحث الأول: الوقف على العلم وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: شرعيته

الوقف على العلم، وما يتعلق به من إنشاء المدارس، والمعاهد، والجامعات، والمكتبات، وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين مما لا خلاف فيه بين المسلمين.

فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل اللَّه وطرق الخيرو البر، إذ هو من أعظم جهات البر، وقد جعل بعض العلماء الإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل اللَّه، لما روى أنس رضي اللَّه عنه أن النبي (قال: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل اللَّه حتى يرجع " (٤) ، ولأن الجهاد جهادان: جهاد بالعلم والبيان، وكان هذا جهاده (في المرحلة المكية.

وجهاد بالسيف والسنان، وهذا جهاده (في المرحلة المدنية مع الجهاد السابق.


(١) ... انظر: الوقف والوصايا، للخطيب ص٤٠.
(٢) ... حاشية أبي الضياء على نهاية المحتاج ٥/٣٥٩.
(٣) ... حاشية الدسوقي ٤/٧٥.
(٤) ... أخرجه الترمذي في العلم، باب فضل العلم (ح٢٦٤٩) وحسنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>