للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدأ إنشاؤها بعد أن استقرت حركة الفتوحات الإسلامية نسبياً، وبعد أن تضاعف إقبال طلاب العلم على حلقات المساجد، وكثر بناء هذه المدارس حتى ملأت مدن العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ويذكر التاريخ نفراً من أمراء المسلمين كانت لهم اليد الطولى في إنشاء المدارس في مختلف الأمصار: منهم صلاح الدين الأيوبي الذي أنشأ المدارس في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه في مصر، ودمشق، والموصل، وبيت المقدس، ونور الدين الشهيد الذي أنشأ في سورية وحدها أربعة عشر معهداً، ومنهم نظام الملك الوزير السلجوقي الذي ملأ بلاد العراق وخراسان بالمدارس حتى قيل: إنه في كل مدينة في العراق وخراسان مدرسة، وكان هذا الوزير كلما وجد في بلدة عالماً تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً، وجعل فيها دار كتب.

وبجانب هؤلاء العظماء كان الأمراء والأغنياء، والتجار يتسابقون في بناء المدارس والوقوف عليها بما يضمن استمرار وإقبال الطلاب على الدراسة فيها وكثيرون جداً هم الذين جعلوا بيوتهم مدارس وجعلوا ما فيها من كتب وما يتبعها من عقار وقفاً على طلاب العلم الدارسين فيها (١) .

حتى إن ابن جبير الرحالة الأندلسي هاله ما رأى في المشرق من كثرة المدارس والغلات الوافرة التي تغلها أوقافها، فدعا المغاربة أن يرحلوا إلى المشرق لتلقي العلم (٢) .

وما يؤكد ما قاله ابن جبير ما جاء من قصيدة عن مدارس دمشق، قال فيها ناظمها:

ومدارس لم تأتها في مشكل

مَا أَمَّها مَرء يكابد حيرة

وبها وقوف لا يزال مغلها

وأئمة تلقي الدروس وسادة

إلا وجدت فتى يحل المشكلا


(١) ... ينظر: البداية والنهاية ١٦/١٦، ١٩، ٧٤، ١٠٢، ١٧٦، ٢١٧، ٢٣٣، ٣٤١، و١٧/٨٥، ١٠٦، ١٥٩، ٤٦٥، ط. دار هجر، والمواعظ والاعتبار للمقريزي ٢/٢٣٣، وطبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٦، ورحلة ابن جبير ص١٦، ومقدمة ابن خلدون ١/٨٨.
(٢) ... ينظر: رحلة ابن جبير ص١٥-١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>