للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا على ذلك: بأن مس الدرهم ونحوه مما فيه آية من القرآن فيه إخلال بتعظيم كلام الله، فيحرم مسه تعظيمًا لكلام الله تعالى، كما حرم مس المصحف. وكما حرم أيضًا مس الورقة واللوح إذا تضمنا شيئًا من القرآن (١) .

الترجيح:

والذي يظهر لي أن الراجح - والله أعلم- هو القول الأول، وهو القول بجواز مس المحدث للدرهم ونحوه إذا اشتمل على شيء من كلام الله تعالى، وذلك لقوة أدلة هذا القول، ورجحانها.

ويمكن الإجابة عن دليل المانعين: بأن جواز مس المحدث للدرهم ونحوه، ليس فيه إخلال بتعظيم كلام الله تعالى؛ لأن القرآن المكتوب في هذه الأشياء غير مقصود بالمس والحمل فجاز مس هذه الأشياء، ويدل على الجواز ويرجحه أنه (ضمَّن الكتاب الذي أرسله إلى هرقل آيتين من كتاب الله تعالى مع علمه قطعًا بمس الكافر له، كما أنه لم يأمر حامله بالطهارة لمسه، فدل ذلك على جواز مس الكتاب والورقة المتضمنة لشيء من كلام الله، ومن باب أولى بالجواز مس الدرهم والدينار والخاتم، والثوب، والحائط، ونحوها (٢) والعلم عند الله.

المطلب الرابع: حكم مس المحدث للقرآن المنسوخ تلاوته والكتب السماوية الأخرى

اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم مس المحدث للقرآن الذي نسخت تلاوته (٣)


(١) انظر: الذخيرة، ١/٢٣٧؛ بدائع الصنائع، ١/٣٣، مغني المحتاج، ١/٣٨، المغني، ١/١٤٨.
(٢) انظر: مغني المحتاج، ١/٣٧.
(٣) مثال ما نسخت تلاوته وبقي حكمه قوله عز وجل: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج (فنسخ قوله سبحانه: (في مواسم الحج (رواه البخاري في صحيحه ٣/١٠٥. قال ابن حجر في فتح الباري، ٣/٥٩٤: وأخرج الحاكم في مستدركه عن عبيد ابن عمير، أنه كان يقرؤها في المصحف.

ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما ذكر الزركشي في البرهان، ٢/٣٥ بقوله: ((روي أنه كان يقال في سورة النور: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالاً من الله)) ولهذا قال عمر رضي الله عنه: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي. رواه البخاري في صحيحه معلقًا)) وانظر أيضًا: النواسخ لابن الجوزي، ص، ١١٥.
ومن أمثلته أيضًا: ما روى البخاري في صحيحه، ٣/٢١٥ أن رسول الله (كان يقرأ ((والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)) قال أبو الدرداء: وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ: ((وما خلق الذكر والأنثى)) والله لا أتابعهم)) .
قال في فتح الباري، ٨/٧٠٧: ((ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>