للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظهر لي أن الراجح هو القول الأول، وهو القول بجواز كتابة المحدث مطلقًا للقرآن لوجاهة ما استدل به القائلون بالجواز ورجحانه على ما علل به أصحاب القولين الآخرين والعلم عند الله.

الفرع الثاني: حكم كتابة الكافر للقرآن:

والمراد هنا حكم كتابة الكافر للقرآن من غير مس للمكتوب؛ لأنه يحرم عليه مس القرآن (١) .

ولم أر من نص على هذه المسألة من أصحاب المذاهب الأربعة سوى الحنابلة، ولهم فيها قولان:

القول الأول:

أنه يجوز للكافر أن يكتب القرآن.

وهو الصحيح في المذهب (٢) . قال في الإنصاف: ((له نسخه على الصحيح من المذهب، وقال ابن عقيل: بدون حمل ولا مس. قال القاضي في التعليق وغيره: قال ابن عقيل في التذكرة: يجوز استئجار الكافر على كتابة المصحف إذا لم يحمله. قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد: أن المصاحف يجوز أن يكتبها النصارى..)) (٣) .

والقول بهذا هو مقتضى مذهب الظاهرية؛ لإجازتهم للكافر أن يمس القرآن (٤)


(١) حيث ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى تحريم مس المصحف على الكافر؛ لأن ذلك يحرم على المسلم إذا كان محدثًا، أو جنبًا، فالكافر من باب أولى بالتحريم، والمقصود هنا: أنه يحرم على المسلم أن يمكن الكافر من مس المصحف؛ لأن الكافر لا يتوجه إليه الخطاب.
انظر: البناية شرح الهداية، ١/٦٥٠؛ البحر الرائق، ١/٢١٢؛ حاشية العدوي على الخرشي، ١/١٦١؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ١/١٢٦؛ المجموع شرح المهذب، ٢/٧٨؛ أسنى المطالب، ١/٦٢؛ شرح الزركشي على مختصر الخرقي، ١/٢١٢؛ الإنصاف، ١/٢٢٧.
(٢) شرح الزركشي على مختصر الخرقي، ١/٢١٢، الإقناع، ١/٤١، غاية المنتهى، ١/٤٤.
(٣) ١/٢٢٦.
(٤) المحلى، ١/٨٣.
وبه قال محمد بن الحسن الشيباني أيضًا إذا اغتسل الكافر كما في البحر الرائق، ١/٢١٢

واحتج ابن حزم على جواز مس الكافر للمصحف بتضمين النبي (الكتاب الذي كتبه لقيصر آيات من القرآن، وهي قوله سبحانه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.. (الخ الآيات. رواه البخاري في صحيحه، ١/٩، ومسلم في صحيحه، ٥/١٦٥.
قال ابن حزم: ((فهذا رسول الله (قد بعث كتابًا، وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب)) .
وأجاب الجمهور عن استدلال ابن حزم بما ذكره ابن حجر في فتح الباري، ١/٤٠٨، بقوله: ((إن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد: أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ، وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل، كالآية والآيتين)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>